الإمارات في زمن الحرب: محطة إسناد جوي لإسرائيل
الدول المطبعة وإسرائيل: كيف أثرت الحرب على الملاحة الجوية؟

اجتماعات مكثفة وبيانات عربية عدة صدرت خلال فترة الحرب بعد السابع من أكتوبر 2023، لإدانة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، فضلًا عن العدوان على لبنان، ومطالبة المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لوقف الانتهاكات اللاإنسانية هناك. ولكن تلك البيانات، التي تبدو وكأنها تمثل موقفًا عربيًا موحدًا يهدف للضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب، تطرح تساؤلات حول مدى توافقها مع واقع علاقات الدول العربية مع إسرائيل، خاصة وقت الحرب
هل استخدمت الدول العربية أدواتها بالفعل للضغط على إسرائيل؟ وهل انعكس هذا الخطاب على شكل العلاقات الفعلية بين الدول العربية وإسرائيل؟ أم أن الخطاب السياسي والإعلامي للدول العربية كان مختلفًا عن واقع تلك العلاقات؟
نحاول في هذا التحقيق تسليط الضوء على التعاون الملاحي الجوي كأحد أبرز مجالات التعاون العربي الإسرائيلي، ومدى تأثر ذلك التعاون بعد الحرب على قطاع غزة. يكشف هذا التحقيق أن الإمارات تحولت إلى محطة إسناد للملاحة الجوية لإسرائيل في ظل تراجع باقي البلدان العربية. كما أصبحت حلقة وصل استراتيجية للشحن الجوي بين إسرائيل ودول جنوب آسيا في ظل الحرب

الإمارات.. جبهة إسناد مستمرة رغم الحرب

رغم مشاركة الإمارات في اجتماعات وبيانات تطالب بالضغط على إسرائيل لوقف الحرب، إلا أنها استمرت في نشاطها الجوي مع إسرائيل خلال فترة الحرب، في ظل وقف كثير من دول العالم خطوطها الجوية مع إسرائيل. لتتحول الإمارات، وفقًا للإحصائيات، إلى محطة إسناد جوي لإسرائيل على مساري رحلات الركاب والشحن الجوي للبضائع
إذ كشف تحليل النشاط الجوي لرحلات الركاب بين البلدين استمرار النشاط خلال وقت الحرب بنفس الوتيرة تقريبًا؛ فبلغ إجمالي رحلات الركاب بين البلدين عام 2022 نحو 5551 رحلة، انطلقت 2689 رحلة من الإمارات، بينما انطلقت 2862 رحلة من إسرائيل. بينما بلغ عدد رحلات الركاب عام 2023 نحو 4892 رحلة، انطلقت من الإمارات 2456 رحلة، وانطلقت من إسرائيل 2436 رحلة
وعلى خلاف باقي الدول العربية، استمر النشاط في 2024 رغم الحرب، إذ بلغت إجمالي الرحلات بين البلدين حتى نهاية نوفمبر 4793 رحلة، انطلقت من الإمارات 2293 رحلة، بينما انطلقت من إسرائيل 2500 رحلة، جميعها من مطار بن غوريون
لم يكن استقرار معدل رحلات الركاب بين البلدين هو المشهد الأبرز في تحليل النشاط الجوي، ولكن برز أيضا أنه رغم ظروف الحرب، فإن شركات الطيران الإسرائيلية خفضت عدد رحلاتها إلى الإمارات، بينما زادت الشركات الإماراتية رحلاتها
يظهر تحليل رحلات الطيران بين البلدين أن 5 شركات طيران تسيطر على تلك الرحلات وهي
Arkia Israeli Airlines - El Al Israel Airlines - Israir Airlines
وهي شركات إسرائيلية، مقابل شركتين إماراتيتين وهما
flydubai - Etihad Airways
وعلى الرغم من ذلك فإن شركة "فلاي دبي" تستحوذ على الحصة الأكبر من عدد الرحلات، خاصة بعد الحرب
خط إمداد جوي للبضائع فور اندلاع الحرب
كشفت سجلات حركة الطيران بين الإمارات وإسرائيل أن البلدين قاما بتفعيل خط إمداد جوي لحركة البضائع عقب اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مباشرة، إذ رصد فريقنا تخصيص 10 رحلات دائمة لنقل البضائع بين البلدين، وهي
CHG751، CHG752، CHZ251، CHZ252، CHZ255، CHZ256، CHZ256D، CHZ257، CHZ258، CHZ603.
بدأت أولى تلك الرحلات في شهر نوفمبر 2023 - بعد اندلاع الحرب مباشرة - وسجلت 16 رحلة بين تل أبيب ودبي خلال شهري نوفمبر وديسمبر 2023، بينما بلغ عدد الرحلات حتى نهاية نوفمبر 2024 نحو 233 رحلة
كانت أغلب الرحلات تنقل البضائع إلى إسرائيل، إذ بلغت الرحلات من دبي إلى تل أبيب 149 رحلة، بينما عدد الرحلات العكسية من تل أبيب إلى دبي 84 رحلة فقط



الإمارات تتحول إلى محطة شحن جوي لإسرائيل
كشفت سجلات حركة الطيران أن الإمارات لم تنشئ خط إمداد جوي فقط لإسرائيل، ولكنها استطاعت منذ عام 2023 أن تحصل على جزء من كعكة الشحن الجوي الدولي للبضائع من وإلى إسرائيل، وتنامى هذا الدور بشكل كبير بعد الحرب
إذ بتتبع سجل حركة شركة "تشالينج جروب"، وهي مجموعة شحن جوي دولية ذات ملكية إسرائيلية، وتأسست عام 1976 تحت اسم "تشالينج آيرلاينز آي ال" ومقرها في مطار بن غوريون في تل أبيب، إسرائيل. وتمتلك مقرين آخرين، أحدهما في بلجيكا تم افتتاحه عام 2018 باسم "تشالينج آيرلاينز بي إي"، والآخر في مالطا باسم "تشالينج آيرلاينز ام تي" تم افتتاحه عام 2022
تظهر سجلات الشركة أنها مسؤولة بشكل كبير عن التبادل الجوي للبضائع بين إسرائيل وعدد كبير من الدول، أبرزها هونغ كونغ والهند، عبر الشركة الأصلية "تشالينج آيرلاينز آي ال"، من خلال رحلات مباشرة بين مطار بن غوريون بتل أبيب ومطار هونغ كونغ الدولي ومطار مومباي الدولي بالهند. بل تحولت الإمارات إلى محطة وسيطة للرحلات بين هونغ كونغ والهند وإسرائيل
إذ تُظهر الإحصائيات أن الرحلات المباشرة بين هونغ كونغ وإسرائيل عام 2023 بلغت نحو 290 رحلة، وهو ما شهد تحولًا في عام 2024 - خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ولبنان - إذ انخفضت الرحلات المباشرة بين البلدين عبر الخط التقليدي إلى 170 رحلة فقط، وبدأت الشركة تفعيل فرعها في مالطا "تشالينج آيرلاينز ام تي"، حيث تحركت 54 رحلة مباشرة عبر هذا الخط من إسرائيل إلى هونغ كونغ، ولكن لم تشهد عودة مباشرة من هونغ كونغ إلى تل أبيب مطلقًا هذا العام، بل شهدت 79 رحلة عودة من هونغ كونغ إلى مطار آل مكتوم بالإمارات، استكملت تلك الرحلات خط السير من الإمارات إلى مطار بن غوريون في تل أبيب، لتغدو الإمارات محطة إسناد للطيران من هونغ كونغ إلى إسرائيل
خطوط السير عبر الإمارات.. استراتيجية إسرائيلية جديدة
تتبع فريق عملنا خطوط سير رحلات شركة "تشالينج آيرلاينز ام تي"، التي تولت إنشاء خطوط سير بديلة بين إسرائيل وعدد من الدول، تعتمد فيها على الإمارات كمحطة وسيطة، واستخدمت فيها طائرات أصغر نسبيًا من الطائرات التي تستخدمها الشركة من مقرها في إسرائيل
إذ أظهرت السجلات أن الخط المباشر بين إسرائيل وهونغ كونغ عبر الشركة الإسرائيلية "تشالينج آيرلاينز آي ال" استخدمت فيه طائرات من نوع Boeing 747-412F (B744)، وهي طائرات كبيرة ذات تكلفة اقتصادية عالية
وبتتبع إحدى الرحلات الفعلية للشركة، انطلقت طائرة البضائع Boeing 747-412F في الرحلة 5C1852 من مطار Chek Lap Kok International Airport بهونغ كونغ يوم 12 مايو 2024، في تمام الساعة 03:49 بتوقيت UTC، لتصل إلى مطار بن غوريون بتل أبيب في تمام الساعة 14:05 بتوقيت UTC، واستغرقت الرحلة نحو 10 ساعات و16 دقيقة
بينما اعتمدت شركة "تشالينج آيرلاينز ام تي" على طائرات من نوع Boeing 767-333ERSF (B763)، وهي طائرة أصغر وذات تكلفة اقتصادية أقل
وبتتبع إحدى الرحلات الفعلية للشركة، انطلقت طائرة البضائع Boeing 767-333ERSF في الرحلة X6252 من مطار Chek Lap Kok International Airport بهونغ كونغ يوم 3 يناير 2024، في تمام الساعة 12:24 بتوقيت UTC، لتصل إلى مطار آل مكتوم بدبي في تمام الساعة 21:25 بتوقيت UTC، حيث استغرقت الرحلة نحو 9 ساعات
قبل أن تعاود ذات الطائرة استكمال الرحلة X6252 إلى مطار بن غوريون بتل أبيب، انطلقت من مطار آل مكتوم في تمام الساعة 23:15 بتوقيت UTC، لتصل إلى مطار بن غوريون في الساعات الأولى من يوم 4 يناير 2024، في تمام الساعة 2:28 بتوقيت UTC، حيث استغرقت الرحلة 3 ساعات و13 دقيقة. وبذلك يصبح إجمالي مدة الرحلة من هونغ كونغ إلى تل أبيب مرورا بدبي نحو 12 ساعة و13 دقيقة، وهو المسار الذي تكرر نحو 79 مرة خلال الفترة من 1 يناير 2024 إلى 30 نوفمبر 2024، خلال تصاعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ولبنان

مواقف عربية أُخرى

مصر.. انحسار الرحلات الجوية لإسرائيل رغم رعاية المفاوضات
حلل فريق عملنا النشاط الملاحي الجوي بين مصر وإسرائيل منذ مطلع عام 2022 وحتى نوفمبر 2024، لتحليل حجم النشاط قبل وبعد حرب السابع من أكتوبر 2023، والذي أظهر أنه رغم الدور المصري في رعاية المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية لإنهاء الحرب، إلا أن النشاط الجوي بين مصر وإسرائيل شهد انحسارًا بعد الحرب
رصد فريقنا أن النشاط الملاحي الجوي شهد تصاعدًا في مرحلة ما قبل الحرب، إذ نشطت نحو 19 شركة طيران في تسيير رحلات الركاب بين مصر وإسرائيل منها 3 شركات طيران مصرية وهي
(Air Cairo - Egyptair - Petroleum Air Services) و3 شركات إسرائيلية وهي
(Arkia Israeli Airlines- El Al Israel Airlines - Israir Airlines)
إضافة إلى 13 شركة من جنسيات مختلفة
سجل العام 2022 نحو 489 رحلة ركاب بين مصر وإسرائيل، إذ تحركت نحو 235 رحلة ركاب من مصر إلى إسرائيل، بينما تحركت في نفس العام نحو 254 رحلة ركاب من إسرائيل إلى مصر. وشهد العام 2023 تصاعدًا في النشاط الملاحي الذي بلغ نحو 568 رحلة، إذ تحركت 279 رحلة ركاب من مصر إلى إسرائيل، بينما تحركت في نفس العام نحو 289 رحلة من إسرائيل إلى مصر
إلا أن العام 2024 - عام الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ولبنان- شهر انحسارًا كبيرًا في حجم النشاط الملاحي الجوي للركاب، والذي بلغ فقط 43 رحلة، إذ تحركت رحلة واحدة من مصر إلي إسرائيل منذ يناير 2024 وحتى نهاية نوفمبر، بينما بلغ عدد رحلات الركاب من إسرائيل إلى مصر نحو 42 رحلة فقط
فيما رصد فريقنا نشاطًا في مجال الشحن الجوي للبضائع من إسرائيل إلى مصر، نشطت فيه 6 شركات، إذ سجل عام 2022 رحلتين فقط للشحن الجوي للبضائع من مصر إلى إسرائيل، بينما سجل نفس العام 107 رحلات شحن بضائع من إسرائيل إلى مصر. بينما بلغ عدد رحلات شحن البضائع من إسرائيل إلى مصر عام 2023 نحو 92 رحلة فقط، ولم تظهر أي رحلات من مصر إلى إسرائيل في ذات العام، وفي 2024 بلغت رحلات شحن البضائع من إسرائيل إلى مصر حتى نهاية نوفمبر 49 رحلة، ولم يتم تسجيل رحلات عكسية من مصر إلى إسرائيل
الأردن.. تراجع رحلات نقل الركاب وتنامي الشحن الجوي للبضائع
تحليل النشاط الملاحي الجوي بين إسرائيل والأردن كشف أن النشاط انحسر أيضًا بعد الحرب على قطاع غزة ولبنان، رغم وجود نشاط ملحوظ قبل الحرب إذ سجل العام 2022 نحو 826 رحلة ركاب بين الأردن وإسرائيل، حيث انطلقت 394 رحلة من الأردن، بينما انطلقت 432 رحلة من إسرائيل. فيما تزايد معدل النشاط خلال عام 2023، إذ بلغت إجمالي رحلات الركاب بين الأردن وإسرائيل 946 رحلة، حيث انطلقت من الأردن 279 رحلة إلى إسرائيل، بينما انطلقت من إسرائيل 667 رحلة نحو الأردن إلا أن عام 2024 بلغت إجمالي رحلات الركاب بين الأردن وإسرائيل 99 رحلة فقط، جميعها من إسرائيل، بينما لم تنطلق أي رحلة من الأردن
بينما على النقيض من نشاط النقل الجوي للركاب، فإن الشحن الجوي للبضائع تزايد رغم وجود معابر برية بين الأردن وإسرائيل، إذ بلغ إجمالي عدد رحلات الشحن عام 2022 بين الأردن وإسرائيل 8 رحلات، بينهم رحلة واحدة انطلقت من الأردن، بينما انطلقت 7 رحلات من إسرائيل إلى مطار الملكة علياء
انخفض هذا العدد عام 2023 إلى 4 رحلات فقط من إسرائيل إلى الأردن، دون أي رحلات عكسية. وفي عام 2024، تم تسجيل 16 رحلة شحن بضائع من إسرائيل إلى الأردن، دون تسجيل رحلات عكسية
المغرب.. توقف شبه كامل للرحلات منذ الحرب
تحليل النشاط الملاحي الجوي بين إسرائيل والمغرب يكشف أنها الدولة الأقل نشاطًا في النقل الجوي مع إسرائيل منذ الحرب على قطاع غزة ولبنان، إذ تزايد النشاط عام 2023 مقارنة بعام 2022, بينما شبه توقف عام 2024
إذ بلغ عدد رحلات الركاب بين البلدين عام 2022، نحو 350 رحلة، انطلقت من المغرب 163 رحلة، بينما انطلقت من إسرائيل 187 رحلة. وتزايد عدد الرحلات عام 2023 ليصل إلى 426 رحلة، انطلقت من المغرب 211 رحلة، بينما انطلقت من إسرائيل 215 رحلة
إلا أن النشاط شبه توقف في عام 2024، إذ انطلقت رحلتان للركاب من المغرب، بينما لم تنطلق أي رحلة ركاب من إسرائيل



عالم عربي منقسم رغم وحدة القضية
العلاقات العربية الإسرائيلية متنوعة ومتعددة، فهي تشمل علاقات اقتصادية وثقافية ورياضية وأمنية، وغيرها، ولكن النشاط الملاحي الجوي يعد من أكثر مجالات التعاون التي يمكن قياس تأثرها بالاضطرابات التي تحدث في المنطقة، خاصة الحروب الإسرائيلية على غزة أو الدول العربية
تحليل سجلات النشاط الملاحي الجوي بين الدول العربية وإسرائيل كشف أن الدول العربية، رغم موقفها المُوحد داخل جامعة الدول العربية في مطالبة العالم بالضغط على إسرائيل لوقف الحرب ووقف الانتهاكات في قطاع غزة ولبنان، إلا أن واقع التعاون الفعلي بين الدول المُطبعة مع إسرائيل كان مختلفًا عن البيانات والمواقف السياسية الرسمية
على الرغم من انخراط مصر المباشر في رعاية المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، وكونها أول دولة عربية توقع اتفاقية سلام مع إسرائيل، إلا أن النشاط الملاحي الجوي بين البلدين انحسر بشكل كبير جدًا وقت الحرب، وهو ما ينسحب على الأردن والمغرب، إلا أن الإمارات العربية المتحدة اتخذت مسارًا مختلفًا، وعملت على تعزيز نشاطها الملاحي الجوي مع إسرائيل لتصبح محطة إسناد جوي استراتيجية لها في ظل الحرب
لم نجد أي بيانات رسمية لأي من الدول الأربعة تعلن بشكل رسمي ربط حركة الملاحة الجوية مع إسرائيل بالحرب، إلا أنها رغم ذلك تظل إحدى المؤشرات الهامة حول طبيعة تعاطي الدول العربية مع إسرائيل في زمن الحرب